مؤسس الدولة العباسية

تأسيس الدولة العباسية وأسباب قيامها

تُعد الدولة العباسية من أهم وأشهر الدول الإسلامية التي حكمت جزءًا كبيرًا من العالم الإسلامي في العصور الوسطى، وامتدت حكمها لما يقرب من خمسة قرون. ولعلّ السؤال عن مؤسس هذه الدولة هو من أكثر الأسئلة التي تثير اهتمام الدارسين والمؤرخين، فمَن هو مؤسس الدولة العباسية؟ وما الظروف التي مهدت لقيامها؟ وما أبرز ملامح هذه الدولة التي جعلتها تحتل مكانة بارزة في التاريخ الإسلامي؟

مؤسس الدولة العباسية هو أبو العباس عبد الله بن محمد السفاح، الذي يُعتبر أول خليفة عباسي وأحد أبرز القادة الذين نجحوا في تأسيس دولة جديدة بعد سقوط الدولة الأموية. اسمه الكامل هو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وهو من نسل العباس بن عبد المطلب عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك سميت الدولة باسمه “الدولة العباسية”.

الخلفية التاريخية لقيام الدولة العباسية

بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، تأسست الدولة الإسلامية تحت حكم الخلفاء الراشدين الذين كان لهم دور كبير في نشر الإسلام وتثبيت أركانه. عقب الخلافة الراشدة، ظهرت الدولة الأموية التي حكمت من دمشق، واستمرت لما يقرب من 90 سنة، لكنها واجهت معارضة شديدة داخلية وخارجية بسبب عدة عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية.

من أهم العوامل التي ساهمت في ظهور الدولة العباسية:

• عدم رضا العديد من القبائل العربية وغير العربية عن الحكم الأموي الذي كان يميل إلى التركيز على العرب فقط في المناصب والامتيازات، مما أدى إلى تهميش الفرس وغيرهم من الشعوب التي اعتنقت الإسلام.

• الاضطرابات والفتن الداخلية التي أثرت على وحدة الدولة الأموية، خاصة بعد مقتل الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، وظهور حركات معارضة عديدة.

• الرغبة في العودة إلى العدل والشرعية الإسلامية التي كان يروج لها بعض المعارضين، حيث كانت شعارات العباسيين تتمحور حول العدالة والمساواة بين المسلمين.

دور عبد الله السفاح في تأسيس الدولة العباسية

عبد الله السفاح هو الذي تمكن من الاستفادة من هذه الظروف وتوحيد القوى المعارضة للحكم الأموي، فقاد ثورة كبيرة انتهت بسقوط الدولة الأموية عام 132 هـ (750 م)، وأعلن نفسه خليفة للمسلمين ومؤسسًا للدولة العباسية.

كانت الثورة العباسية منظمة بدقة، استندت إلى تحالفات واسعة بين العرب والفرس وغيرهم من الشعوب الإسلامية، وحملت شعارات الوحدة الإسلامية والعدل الاجتماعي، ما أكسبها دعمًا شعبيًا واسعًا.

وفي عام 750 م، تمكن عبد الله السفاح من دخول دمشق عاصمة الأمويين، وهو الحدث الذي يمثل نهاية الدولة الأموية وبداية عهد الدولة العباسية. وعلى الرغم من التحديات التي واجهها في بداية حكمه، إلا أن السفاح عمل على تثبيت دعائم الدولة الجديدة، وترسيخ حكم العباسيين كخلفاء للمسلمين.

الخطوات الأولى في حكم السفاح

بعد توليه الحكم، ركز عبد الله السفاح على عدة محاور أساسية:

• تحرير الدولة من أثار الحكم الأموي، وقطع أي صلة بالممارسات التي كانت تثير استياء الناس.

• توسيع قاعدة الحكم لتشمل جميع المسلمين بغض النظر عن أصولهم العرقية، وإرساء مبدأ المساواة.

• إعادة بناء مؤسسات الدولة من جديد بما يتناسب مع توجهات الدولة العباسية، مع التركيز على النظام الإداري والعسكري.

كانت فترة حكم السفاح قصيرة نسبياً إذ توفي بعد ثلاث سنوات فقط من تأسيس الدولة، لكنه وضع الأساس المتين الذي استند إليه خلفاؤه وخاصة الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور، الذي استمر في تطوير الدولة العباسية لتصبح من أعظم إمبراطوريات التاريخ الإسلامي.

أهمية الدولة العباسية في التاريخ الإسلامي

الدولة العباسية مثلت مرحلة جديدة من الحضارة الإسلامية، فقد اتسمت بحكم مركزي قوي وبنهضة ثقافية وعلمية واقتصادية، حيث ازدهرت العلوم والفنون والآداب، وبنيت بغداد عاصمة الدولة والتي أصبحت مركزًا حضاريًا وعلميًا عالميًا.

ساهمت العباسيون في التوسع الحضاري والثقافي، وحققوا تقدمًا كبيرًا في مجالات الطب والفلك والكيمياء والفلسفة. كما كانت لهم مساهمات بارزة في حفظ التراث العربي والإسلامي، وجعلوا من بغداد مركز إشعاع حضاري طالما جذب العلماء والمفكرين من مختلف أنحاء العالم.

الجدول التالي يوضح أهم مراحل تأسيس الدولة العباسية وأبرز الشخصيات:

الخلاصة

يعتبر عبد الله بن محمد السفاح هو مؤسس الدولة العباسية، وقد تمكن من توحيد القوى المعارضة للحكم الأموي وتأسيس دولة جديدة عرفت بقدرتها على توسيع حدودها وتحقيق نهضة حضارية شاملة. وكان لفترة حكمه القصيرة الأثر الكبير في انتقال العالم الإسلامي من حقبة الأمويين إلى العصر العباسي الذي تميز بالازدهار الثقافي والعلمي والسياسي. الدولة العباسية، من خلال دور مؤسسها السفاح، لم تكن مجرد تغيير في نظام الحكم، بل كانت تحولا حضاريا شاملا أثر في مجريات التاريخ الإسلامي والعالمي.

المصادر والمراجع:

1. تاريخ الطبري، ج 7-8، الطبعة الأولى، دار الفكر، بيروت، 1984.

2. “الدولة العباسية”، إدوارد سعيد، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2002.